{تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} أي أولئك الرسل الكرام الذين قصصنا عليك من أنبائهم يا محمد هم رسل الله حقاً، وقد فضّلنا بعضهم على بعض في الرفعة والمنزلة والمراتب العالية {مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ}أي منهم من خصّه الله بالتكليم بلا واسطة كموسى عليه السلام {وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ}أي ومنهم من خصّه الله بالمرتبة الرفيعة السامية كخاتم المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم فهو سيد الأولين والآخرين في الدنيا والآخرة، وكأبي الأنبياء إِبراهيم الخليل {وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ}أي ومنهم من أعطاه الله المعجزات الباهرات كإِحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص والإِخبار عن المغيبات {وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ}أي قويناه بجبريل الأمين وهو عيسى بن مريم .
{وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءتْهُمْ الْبَيِّنَاتُ} أي لو أراد الله ما اقتتل الأمم الذين جاءوا بعد الرسل من بعد الحجج الباهرة والبراهين الساطعة التي جاءتهم بها رسلهم، فلو شاء الله ما تنازعوا ولا اختلفوا ولا تقاتلوا، ولجعلهم متفقين على اتباع الرسل كما أن الرسل متفقون على كلمة الحق {وَلَكِنْ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ} أي ولكنَّ الله لم يشأ هدايتهم بسبب اختلافهم في الدين وتشعب مذاهبهم وأهوائهم، فمنهم من ثبت على الإِيمان ومنهم من حاد وكفر {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} أي لو شاء الله لجعل البشر على طبيعة الملائكة لا يتنازعون ولا يقتتلون ولكنّ الله حكيم يفعل ما فيه المصلحة، وكلُّ ذلك عن قضاء الله وقدره فهو الفعال لما يريد.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ}أي أنفقوا في سبيل الله من مال الله الذي منحكم إِيّاه، ادفعوا الزكاة وأنفقوا في وجوه الخير والبر والصالحات {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ} أي من قبل مجيء ذلك اليوم الرهيب الذي لا تستطيعون أن تفتدوا نفوسكم بمالٍ تقدمونه فيكون كالبيع، ولا تجدون صديقاً يدفع عنكم العذاب، ولا شفيعاً يشفع لكم ليحط عنكم من سيئاتكم إِلا أن يأذن الله رب العالمين {وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} أي لا أحد أظلم ممن وافى الله يؤمئذٍ كافراً، والكافر بالله هو الظالم المعتدي الذي يستحق العقاب.
{اللهُ لا إِلَهَ إِلاَ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ}أي هو الله جل جلاله الواحد الأحد الفرد الصمد، ذو الحياة الكاملة، الباقي الدائم الذي لا يموت، القائم على تدبير شؤون الخلق بالرعاية والحفظ والتدبير {لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ} أي لا يأخذه نعاسٌ ولا نوم كما ورد في الحديث (إنَّ الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام يخفض القسط ويرفعه).
{لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} أي جميع ما في السماوات والأرض ملكه وعبيده وتحت قهره وسلطانه {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلا بِإِذْنِهِ} أي لا أحد يستطيع أن يشفع لأحد إِلا إِذا أذن له الله تعالى، قال ابن كثير: وهذا بيانٌ لعظمته وجلاله وكبريائه بحيث لا يتجاسر أحد على الشفاعة إِلا بإِذن المولى.
{يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ} أي يعلم ما هو حاضر مشاهد لهم وهو الدنيا وما خلفهم أي أمامهم وهو الآخرة فقد أحاط علمه بالكائنات والعوالم {وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَ بِمَا شَاءَ} أي لا يعلمون شيئاً من معلوماته إِلا بما أعلمهم إِياه على ألسنة الرسل {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ} أي أحاط كرسيّه بالسماوات والأرض لبسطته وسعته، والسماواتُ السبع والأرضون بالنسبة للكرسي كحلقةٍ ملقاةٍ في فلاة، وروي عن ابن عباس {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ} قال: علمه بدلالة قوله تعالى {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا} [غافر: 7] فأخبر أن علمه وسع كل شيء، وقال الحسن البصري: الكرسي هو العرش، قال ابن كثير: والصحيح أن الكرسي غير العرش وأن العرش أكبر منه كما دلت على ذلك الآثار والأخبار.
{وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} أي لا يثقله ولا يعجزه حفظ السماوات والأرض ومن فيهما وهو العلي فوق خلقه ذو العظمة والجلال كقوله {وهو الكبير المتعال}.
{لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ}أي لا إِجبار ولا إِكراه لأحد على الدخول في دين الإِسلام، فقد بان ووضح الحق من الباطل والهدى من الضلال {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} أي من كفر بما يعبد من غير الله كالشيطان والأوثان وآمن بالله فقد تمسك من الدين بأقوى سبب {لا انفِصَامَ لَهَا} أي لا انقطاع لها ولا زوال {وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} أي سميع لأقوال عباده عليم بأفعالهم .
{اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ منْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} أي الله ناصر المؤمنين وحافظهم ومتولي أمورهم، يخرجهم من ظلمات الكفر والضلالة إِلى نور الإِيمان والهداية {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمْ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنْ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ} أي وأما الكافرون فأولياؤهم الشياطين يخرجونهم مننور الإِيمان إِلى ظلمات الشك والضلال {أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} أي ماكثون في نار جهنم لا يخرجون منها أبداً.