نحن نعيش لحظة تاريخية شديدة الغرابة ونحاول أن نقرأها لنبصر كيف ستسير الأحداث، ضعفنا الشديد ليس خافيا ، قوتهم الهائلة ليست وهما ولله في خلقه سنن ولكن هناك مؤشرات ومبشرات ، وستبدو تلك المؤشرات غريبة على الكثيرين .. فهذه أول مرة يصبح الإسلام مستهدفا بالعداء في العصر الحديث .. لقد كنا منذ الثورة الصناعية أهون من أن يتخذونا أعداء .. قد يقول قائل إنهم إنما يطمعون في ثرواتنا ويريدون احتلال بلادنا لمزيد من السيطرة والهيمنة ويرى البعض أنهم يلتهمون دولنا الضعيفة بدلا من مواجهة أعداء أكثر قوة وأشد بأسا. ولكني أزعم أن عالمنا الإسلامي رغم ضعفه الشديد هو القوة الوحيدة التي يرهبها الغرب ليس لقوتنا الحالية ولكن لأننا نتجه بالفعل نحو القوة فالفجوة بيننا وبينهم ليست بالاتساع الذي نتوهمه وإذا صدقت العزيمة يمكن تجاوز هذه الفجوة خلال عشرين عاما
ولعل أخطر المؤشرات لديهم أن الإسلام أصبح هو الأيدلوجية الأكثر رواجا بعد انهيار الشيوعية والاتحاد السوفيتي وسقوط رموز القومية. ورغم ما يبدو ظاهريا من انحسار الظاهرة الإسلامية تحت وطأة البطش البوليسي إلا أن هناك مؤشرات لا تخطئها العين الفاحصة فبالأمس القريب كانت كل حركات التحرر من الاستعمار في عالمنا الإسلامي حركات قومية أو شيوعية أو حتى وطنية علمانية أما الآن فقد تأسلمت حركات التحرر وأوضح مثال على ذلك هو حركات المقاومة الفلسطينية التي كانت تمثل جميع ألوان الطيف عدا الإسلام فإذا بالحركات الإسلامية تقود مقاومة الشعب بنجاح منقطع النظير وتقلب كل الحسابات والموازين ، ومن كان يتخيل أن يطرد حزب الله الجيش الإسرائيلي من لبنان بعد أن كبده خسائر هائلة ، ومن كان يظن أن يطرد مجاهدو أفغانستان الاتحاد السوفيتي ومن كان يظن أن تقوم في إيران ثورة إسلامية عارمة تقتلع النفوذ الأمريكي والأهم من كان يظن أن تنجح هذا النجاح وتصبح دولة يحسب لها حساب ، وهكذا في الجزائر والسودان وتركيا سواء بالكفاح المسلح أم بالانتخابات.
وسيأتي يوم قريب تندم فيه أمريكا على غزوها للعراق لأسباب كثيرة سيكون أهمها أنها بذلك قد دقت آخر مسمار في نعش القومية العربية والنظم العلمانية. لا أزعم أن الأمر سيكون سهلا بل سيتطلب كفاحا مريرا وخسائر جسيمة وتضحيات هائلة لكنه ثمن لا بد أن ندفعه وسيتحتم علينا أن ندفعه ، وهذا هو الخطأ الفادح فالغرب لم يجعل أمامنا خيار آخر فإما العبودية الكاملة وإما دفع ثمن الحرية .. وسندفع هذا الثمن لأن الشرارة قد انطلقت وقد عرفنا الداء والدواء والأهم من المعرفة هو أننا أخذنا بالفعل نتجرع هذا الدواء رغم مرارته .. ألم يرشدنا النبي عليه الصلاة والسلام بما يجرى الآن ، ألم تتهافت علينا الأمم كما تهافتت الأكلة على قصعتها ألسنا كثرة ولكن غثاء كغثاء السيل ألم يحدد النبي الكريم سبب البلاء وهو حب الدنيا وكراهية الموت ثم البشرى الرائعة أننا بدأنا نكره الدنيا ونحب الموت في سبيل الله واخترعنا القنبلة البشرية التي لن يجارينا فيها أحد.
وسيدرك الأمريكان مدى غبائهم .. نعم كانوا أغبياء عندما فرضوا علينا المعركة ، كنا نجلس انتظارا للأسباب التي لا تأتي أبدا فإذا بهم يقتحمون ديارنا يقتلون وينسفون وينهبون ويمارسون الإذلال العلني وأصبحت المعركة فرض عين دون اعتبار للأسباب ولا للتكافؤ في القوة بل أصبحت المعركة بلا أدني ريبة فليس الأعداء من جلدتنا ولا يتكلمون بلساننا .. كنا نتحسر على أيام الاستعمار حيث العدو واضح وقتاله فرض عين ولا لبس ولا حرج في الأمر ونتعجب من مكرهم الذي ولىّ علينا عملاء لهم نتحرج من قتالهم ولكن من يتحرج الآن من قتال الأمريكان في أفغانستان والعراق وفي أي بلد آخر يحتلونه بغبائهم الشديد ، لقد تعجلتم أيها السادة ولو عكفتم على مكركم القديم لأدركتم مرماكم ولتأجلت نهضتنا قرون عديدة أما وقد فعلتم فعلتكم التي زيناها لكم أبناء القردة والخنازير فأعلموا أنكم لا تحاربون دولا ولا حكومات نعرف وتعرفون مدى هشاشتها لكنكم تصارعون أمة عظيمة لن ترض بالعار .. أمة تعرف أنها خير الأمم .. أمة توقن بالنصر فقد وعدها العلي الجبار أن دينها سيظهر على الدين كله ولو كره الكافرون .. أمة تحتكر سر صناعة القنبلة البشرية . نعم سنقدم تضحيات عظيمة لكن نحن وأنتم لسنا سواء فقتلانا في الجنة وقتالكم في النار، والشدائد تصنع الرجال وتنفي النيران خبث المعادن النفيسة .
"سنستدرجهم من حيث لا يشعرون ،وأملي لهم إن كيدي متين "
"ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين: . صدق الله العظيم .