خبيب بن عديّ - بطل.. فوق الصليب..!! والآن..
افسحوا الطريق لهذا البطل يا رجال وتعالوا من كل صوب ومن كل مكان
تعالوا، خفاقا وثقالا.. تعاولوا مسرعين، وخاشعين..
وأقبلوا، لتلقنوا في الفداء درسا ليس له نظير..!!
تقولون: أوكل هذا الذي قصصت علينا من قبل لم تكن دروسا في الفداء ليس لها نظير..؟؟
أجل كانت دروسا..وكانت في روعتها تجلّ عن المثيل وعن النظير..
ولكنكم الآن أمام أستاذ جديد في فن التضحية..
أستاذ لوفاتكم مشهده، فقد فاتكم خير كثير، جدّ كثير..
الينا يا أصحاب العقائد في كل أمة وبلد
الينا يا عشاق السموّ من كل عصر وأمد..
وأنتم أيضا يا من أثقلكم الغرور، وظننتم بالأديان والايمان ظنّ السّوء..
تعالوا بغروركم..!
تعالوا وانظروا أية عزة، وأية منعة، وأي ثبات، وأيّ مضاء.. وأي فداء، وأي ولاء..
وبكلمة واحدة، أية عظمة خارقة وباهرة يفيئها الايمان بالحق على ذويه المخلصين..!! أترون هذا الجثمان المصلوب..؟؟
انه موضوع درسنا اليوم، يا كلّ بني الانسان...!
هذا الجثمان المصلوب أمامكم هو الموضوع، وهو الدرس، وهو الاستاذ..
اسمه خبيب بن عديّ.
احفظوا هذا الاسم الجليل جيّدا.
واحفظوه وانشدوه، فانه شرف لكل انسان.. من كل دين، ومن كل مذهب، ومن كل جنس، وفي كل زمان..!!
انه من أوس المدينة وأنصارها.
تردد على رسول الله صلى الله عليه وسلم مذ هاجر اليههم، وآمن بالله رب العالمين.
كان عذب الروح، شفاف النفس، وثيق الايمان، ريّان الضمير.
كان كما وصفه حسّان بن ثابت:
صقرا توسّط في الأنصار منصبه سمح الشجيّة محضا غير مؤتشب
ولما رفعت غزوة بدر أعلامها، كان هناك جنديا باسلا، ومقاتلا مقداما.
وكان من بين المشركين الذين وقعوا في طريقه ابّان المعركة فصرعهم بسيفه الحارث بن عمرو بن نوفل.
وبعد انتهاء المعركة، وعودة البقايا المهزومة من قريش الى مكة عرف بنو الحارث مصرع أبيهم، وحفظوا جيدا اسم المسلم الذي صرعه في المعركة: خبيب بن عديّ..!!
وعاد المسلمون من بدر الى المدينة، يثابرون على بناء مجتمعهم الجديد..
وكان خبيب عابدا، وناسكا، يحمل بين جبينه طبيعة الناسكين، وشوق العابدين..هناك أقبل على العبادة بروح عاشق.. يقوم الليل، ويصوم الناهر، ويقدّس لله رب العالمين..
وذات يوم أراد الرسول صلوات الله وسلامه عليه أن يبلو سرائر قريش، ويتبيّن ما ترامى اليه من تحرّكاتها، واستعدادها لغزو جديد.. فاهتار من أصحابه عشرة رجال.. من بينهم خبيب وجعل أميرهم عاصم بن ثابت.
وانطلق الركب الى غايته حتى اذا بلغوا مكانا بين عسفان ومكة، نمي خبرهم الى حيّ من هذيل يقال لهم بنو حيّان فسارعوا اليهم بمائة رجل من أمهر رماتهم، وراحوا يتعقبونهم، ويقتفون آثارهم..
وكادوا يزيغون عنهم، لولا أن أبصر أحدهم بعض نوى التمر ساقطا على الرمال.. فتناول بعض هذا النوى وتأمله بما كان للعرب من فراسة عجيبة، ثم صاح في الذين معه:
" انه نوى يثرب، فلنتبعه حتى يدلنا عليهم"..
وساروا مع النوى المبثوث على الأرض، حتى أبصروا على البعد ضالتهم التي ينشدون..
وأحس عاصم أمير العشرة أنهم يطاردون، فدعا أصحابه الى صعود قمة عالية على رأس جبل..
واقترب الرماة المائة، وأحاطوا بهم عند سفح الجبلو وأحكموا حولهم الحصار..
ودعوهم لتسليم أنفسهم بعد أن أعطوهم موثقا ألا ينالهم منهم سوء.
والتفت العشرة الى أميرهم عاصم بن ثابت الأنصاري رضي الله عنهم أجمعين.
وانتظروا بما يأمر..
فاذا هو يقول:" أما أنا، فوالله لا أنزل في ذمّة مشرك..