هو الرسول فكن في الشعر حسانا***** وصغ من القلب في ذكراه ألحانا
ذكرى النبي الذي أحيا الهدى وكسا***** بالعلم والنور شعبًا كان عريانا
أطلَّ فجر هداه والدجى عممُ***** بات الأنام وظلوا فيه عميانا
هذا يصور تمثالاً ويعبده***** وذاك يعبد أحبارًا وكهَّانا
الكون بحرٌ عميقٌ لا منار به***** لم يدرِ فيه بنو الإنسان شطئانا
ويل الصغير وقد صار الورى سمكًا***** يسطو الكبير عليه غير خشيانا!
فدولة الروم حوتٌ فاغرٌ فمه***** يطغى على تلكُم الأسماك طغيانا
ودولة الفرس حوتٌ مثله كشرت***** أنيابه للورى بغيًا وعدوانا
وحشيةٌ عمَّت الدنيا أظافرها***** جهالةٌ أصلت الأكوان نيرانا!
الليل طال ألا فجر يبدده؟!***** ربَّاه.. أرسل لنا فلكًا وربانا!
هناك لاح سنا المختار مؤتلقًا***** يهدي إلى الله أعجامًا وعربانا
يتلو كتاب هدًى كان الإخاء له***** بدءًا وكان له التوحيد عنوانا
لا كبر- فالناس إخوان سواسية***** لا ذلَّ إلا لمن سوَّاك إنسانا
يقود دعوته في اليمِّ باخرةٌ***** تقل من أمَّها شيبًا وشبانا
السلم رايتها والله غايتها***** لم تبغ إلا هدًى منه ورضوانا
جرت بركبانها.. لا الريح زلزلها***** ولا يد الموج مهما ثار بركانا
وكم أراد العِدا إضلالها عبثًا***** وحاول خرقها بالعنف أزمانا
واها! أتُخرق والرحمن صانعها؟***** والله حارسها من كل من خانا؟!
أم هل تضل سفين "بيت إبرتها"***** وحي من الله يهدي كل حيرانا؟!
أم كيف لا تصل الشطئان باخرةٌ***** ربانها خير خلق الله إنسانا؟!
تلك الرواية والَهْفِي ممثلةٌ***** في العالم اليوم في بلدانه الآنا
إن يختلف الاسم فالموضوع متَّحِدٌ***** مهما تلوَّنت الأشخاص ألوانا
فالناس قد تَّخذوا الأهواء آلهةً *****إن كان قد تَّخذ الماضون أوثانا
الشعب يعبد قوادًا تضلله***** كما يضلل ذو الإفلاس صبيانا
والحاكمون غدا الكرسيُّ ربهمو***** يقدمون له الأوطان قربانا
إن ماتت الفرس فالروسيا تمثلها***** أما ستالين فهو اليوم كِسرانا
وإن تزل دولة الرومان فالتمسوا *****في الإنجليز وفي الأمريك رومانا
وإن يمت قيصر فانظر لصورته***** وإن يكونوا همو في البحر حيتانا
يا خير من ربت الأبطال بعثته***** ومن بنى يهمو للحق أركانا
خلفت جيلاً من الأصحاب سيرتهم***** تضوع بين الورى روحًا وريحانا
كانت فتوحهمو برًّا ومرحمة***** كانت سياستهم عدلاً وإحسانا
لم يعرفوا الدين أورادًا ومسبحةً***** بل أشربوا الدين محرابًا وميدانا
فقل لمن ظن أن الدين منفصل***** عن السياسة: خذ يا غرُّ برهانا
هل كان أحمد يومًا حلس صومعة***** أو كان أصحابه في الدير رهبانا؟!
هل كان غير كتاب الله مرجعهم******أو كان غير رسول الله سلطانا؟!
لا، بل مضى الدين دستورًا لدولتهم***** وأصبح الدين للأشخاص ميزانا
يرضى النبي أبا بكر لدينهمو***** فيعلن الجمع: نرضاه لدنيانا
يا سيد الرسل طب نفسًا بطائفة***** باعوا إلى الله أرواحًا وأبدانا
قادوا السفين فما ضلوا ولا وقفوا***** وكيف لا وقد اختاروك ربَّانا؟!
أعطوا ضريبتهم للدين من دمهم***** والناس تزعم نصر الدين مجانا
أعطوا ضريبتهم صبرًا على محن***** صاغت بلالاً وعمارًا وسلمانا
عاشوا على الحب أفواهًا وأفئدةً***** باتوا على البؤس والنعماء إخوانا
الله يعرفهم أنصار دعوته***** والناس تعرفهم للخير أعوانا
والليل يعرفهم عُبَّاد هجعته***** والحرب تعرفهم في الروع فرسانا
دستورهم لا فرنسا قننتْه ولا***** روما، ولكن قد اختاروه قرآنا
زعيمهم خير خلق الله لا بشر***** إن يهد حينًا يضل القصد أحيانا!
"الله أكبر".. ما زالت هتافهمو***** لا يسقطون ولا يحيون إنسانا
نشكو إلى الله أحزابًا مضللةً***** كم أوسعونا إشاعات وبهتانا
ما زال فينا ألوف من أبي لهب***** يؤذون أهل الهدى بغيًا ونكرانا
ما زال لابن سلول شيعةٌ كثروا***** أضحى النفاق لهم وَسْمًا وعنوانا
يا رب إنا ظُلمنا فانتصر، وأنر***** طريقنا، واحبنا بالحق سلطانا
نشكو إليك حكومات تكيد لنا***** كيدًا وتفتح للسكسون أحضانا
تبيح للهو حانات وأندية***** تؤوي ذوي العهر شُرَّابًا ومُجَّانا
فما لدور الهدى تبقى مُغلَّقةً؟***** يمسي فتاها غريب الدار حيرانا
يا رب نصرك، فالطاغوت أشعلها***** حربًا على الدين إلحادًا وكفرانا
يا قوم قد أيد التاريخ حجتنا***** وحصحص الحق للمستبصر الآنا
إنا أقمنا على إخلاص دعوتنا***** وصدقها ألف برهان وبرهانا
لقد نفونا فقلنا: الماء أين جرى***** يحيي المَوات ويروي كل ظمآنا
قالوا: إلى السجن، قلنا: شعبةٌ فُتِحت***** ليجمعونا بها في الله إخوانا
قالوا: إلى الطور، قلنا: ذاك مؤتمر***** فيه نقرِّر ما يخشاه أعدانا!
فهو المصلَّى نزكِّي فيه أنفسنا***** وهو المصيف نقوي فيه أبدانا
معسكر صاغنا جندًا لمعركة***** ومعهد زادنا للحق تبيانا
من حرَّموا الجمع منا فوقَ أربعةٍ***** ضموا الألوف بغاب الطور أُسدانا!
راموه منفًى وتضييقًا، فكان لنا***** بنعمة الحب والإيمان بستانا!
هذا هو الطور شاءوا أن نذوب به***** وشاء ربك أن نزداد إيمانا