بسم الله الرحمن الرحيم
أسباب قسوة القلوب
أحبتي في الله: أعظم داءٍ يصيب القلب داء القسوة والعياذ بالله. ......
مجالسة الفساق
ومن أسباب قسوة القلوب،
بل ومن أعظم أسباب قسوة القلوب، الجلوس مع الفُسّاق، ومعاشرة من لا خير في معاشرته؛ ولذلك ما ألف الإنسان صحبة من لا خير له في صحبته إلا قسى قلبه من ذكر الله تبارك وتعالى، ولا طلب الأخيار إلا رق قلبه لله الواحد القهار، ولا غشي مجالسهم إلا جاءته الرقةُ شاء أم أبى، جاءته لكي تسكن سويداء قلبه،
فتخرجه عبداً صالحاً مصلحاً قد جعل الآخرة نصب عينيه. لذلك ينبغي للإنسان إذا عاشر الأشرار أن يعاشرهم بحذر، وأن يكون ذلك على قدر الحاجة، حتى يسلم له دينه، فرأس المال في هذه الدنيا هو الدين. اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى، أن تهب لنا قلوباً لينة تخشع لذكرك وشكرك،
اللهم إنا نسألك قلوباً تطمئن لذكرك، اللهم إنا نسألك ألسنةً تلهج بشكرك، اللهم إنا نسألك إيماناً كاملاً، ويقيناً صادقاً، وقلباً خاشعاً، وعلماً نافعاً، وعملاً صالحاً مقبولاً عندك يا كريم. اللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله رب العالمين
.
الركون إلى الدنيا
ومن أعظم أسباب القسوة بعد الجهل بالله تبارك وتعالى
الركون إلى الدنيا، والغرور بأهلها، وكثرة الاشتغال بفضول أحاديثها،
فإن هذا من أعظم الأسباب التي تقسي القلوب والعياذ بالله تبارك وتعالى، إذا اشتغل العبد بالأخذ والبيع، واشتغل أيضاً بهذه الفتن الزائلة والمحن الحائلة سرعان ما يقسو قلبه؛ لأنه بعيدٌ عمن يذكره بالله تبارك
وتعالى.
فلذلك ينبغي للإنسان إذا أراد أن يوغل في هذه الدنيا أن يوغل برفق، فديننا ليس دين رهبانية، ولا يحرم الحلال سبحانه وتعالى، ولم يَحُل بيننا وبين الطيبات، ولكن رويداً رويداً، فالأقدار قد سبق بها القلم والأرزاق قد قُضيت يأخذ الإنسان بأسبابها دون أن يغالب القضاء والقدر، يأخذها برفق ورضاً عن الله تبارك وتعالى في يسيرٍ يأتيه،
وحمدٍ وشكرٍ لباريه، سُرعان ما توضع له البركة ويكفى فتنة القسوة التي تفتح عليه فتنة كل شيء، فتجدهم يضحون بأوقات الصلوات، ويضحون بارتكاب الفواحش والموبقات، ولكن لا تؤخذ هذه الدنيا عليهم، ولا يمكن أن يضحي الواحد منهم بدينار أو بدرهمٍ منها، فلذلك دخلت هذه الدنيا إلى القلب، والدنيا شعب، ولو عرف العبد حقيقة هذه الشعب، لأصبح وأمسى ولسانه يلهج إلى ربه،
رب نجني من فتنةِ هذه الدنيا، فإن في الدنيا شُعباً، ما مال القلب إلى واحدة منها، إلا استهوى القلب لما بعده، ثم إلى ما بعده، حتى يَبعد عن الله عز وجل، وعندها تسقط مكانته عند الله وما يبالي الله به في أي وادٍ من أودية الدنيا هلك والعياذ بالله. هذا العبد الذي نسي ربه،
وأقبل على هذه الدنيا مجلاً مكرماً لها، فعظم ما لا يستحق التعظيم، واستهان بمن يستحق الإجلال والتعظيم والتكريم سبحانه وتعالى، فلذلك كانت عاقبته والعياذ بالله من أسوأ العواقب. انتهي