الجواب: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فإن من له أدنى إلمام ومعرفة بتاريخ الدول والحكومات لا يبقى لديه شك مطلقاً في أن الجهاد بأنواعه من أعظم الوسائل بل هو أعظم الوسائل مع الإيمان بالله والتوكل عليه لحماية الأمة المسلمة ومقدساتها من تطاول الأعداء عليها وطمعهم في خيراتها.
فإن العدو إذا عرف مدى استعداد المسلمين وعرف ما هم عليه من القوة القتالية والتدريب والتأهيل فإنه يحسب لمهاجمة بلاد المسلمين ألف حساب.
والعدو الكافر يدرك ما للجهاد من آثار في تغيير ميزان المعارك التي تجري بين المسلمين وأعدائهم، ولهذا نجد الكفار باختلاف مناهجهم واتجاهاتهم يخشون الجهاد وينفرون عنه هم وعملاؤهم بكل ما يستطيعون من وسائل لأنهم يعلمون جيداً أنهم لا يستطيعون السيطرة على الأمة إذا كانت تملك وسائل الجهاد.
ولهذا نرى الدول الكافرة ومن يدور بفلكها من الحكومات العميلة يشنون حرباً شعواء على الشباب الذين يريدون الانضمام إلى إخوانهم المقاتلين في الجبهات والثغور وإذا ظفروا بأحد منهم اعتقلوه وأودعوه في غياهب السجون مدداً طويلة يلاقي فيها شتى أنواع التعذيب والإهانة.
ويلقبون المجاهدين بألقاب شائنة كالإرهابيين والمتطرفين والمتشددين ونحو ذلك، إرهابيون ومتطرفون لأنهم يضحون بأنفسهم في قتال الصهاينة والروس والبوذيين وغيرهم وما من شك أننا وإخواننا المجاهدين إرهابيون بهذا المعنى أي: نرهب أعداء الله تنفيذاً لأمره سبحانه وتعالى، حيث قال: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم... الآية}.
وهنا سؤال يفرض نفسه:وهو أنه قبل سنوات إذا أراد الشباب الذهاب للجهاد في الأفغان يلقون التشجيع والتخفيض في التذاكر وربما المساعدات المالية من بعض الدول العربية، هذا كان في الفترة التي كان الأفغان فيها يحاربون الإتحاد السوفييتي.
أما الآن فالذي يريد الذهاب إلى الأفغان من الشباب للجهاد يلقون من نفس الدول العربية التي كانت تشجع على الجهاد في تلك الفترة المطاردة والاعتقال والتلقيب بالإرهابيين والمتطرفين والمتشددين، فلماذا يكون هذا؟
والجواب:أن التشجيع على الجهاد في الفترة السابقة له ما يبرره عند تلك الدول المشجعة، لأن القتال كان بين الأفغان والإتحاد السوفييتي الذي تعتبره دول الكفر كأمريكا وبريطانيا أعدا عدو لها، أما قتال الأفغان الآن فهو ضد أمريكا وبريطانيا وأوربا كلها، لأن هذه الدول تقف مع المعارضة في الأفغان وتدعمها بشتى أنواع الدعم من طائرات ودبابات ورجال وخبرات. إذن فالذي يذهب إلى الجهاد في الأفغان يحارب أمريكا وزميلاتها في الكفر.
وبعد هذه المقدمة القصيرة نبدأ ببيان حكم الجهاد في الشريعة الإسلامية، فنقول: أولا: الجهاد أنواع: أ) جهاد بالنفس.
ب) وجهاد بالمال.
ج) وجهاد بالقلم واللسان.
وكذلك الأعداء الذين يجب جهادهم أنواع:
أ) منهم الكفرة المصرحون بكفرهم كاليهود والنصارى والملحدين وغيرهم.
ب) ومنهم أعداء ليسو من هؤلاء بل هم من نوع آخر وهم المنافقون ونحوهم ممن لديهم أفكار نتنة ومبادئ هدامة ولكنهم لا يجرؤن على إعلانها والتصريح بها كما يعلن الكفار كفرهم ويصرحون به.
وإذا أردت أن تعرف فضل الجهاد وأهميته فقارن بين حالة المسلمين قبل أن يشرع لهم الجهاد وحالتهم بعد أن فرض عليهم الجهاد فإنهم كانوا قبل مشروعية الجهاد مستضعفين في مكة، وكفار قريش يؤذونهم بشتى أنواع الأذى ولا يقدرون على الدفاع عن أنفسهم ؛ الأمر الذي جعل من يريد الدخول في الإسلام يُخفى أمره ويتستر على إسلامه خوفا من أذى قريش إلا عمر بن الخطاب رضي الله عنه فإنه عند ما أراد أن يُعلن إسلامه شهر سيفه وأعلن إسلامه ولم يبال بأحد، أما غيره فإنه لا يجرؤ على إعلان إسلامه خوفا من أذى قريش كما سبق.
وعندما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وأسس الدولة الإسلامية وشُرع له الجهاد وبدأ ببعث السرايا والبعوث بدأ الناس يُهاجرون إلى المدينة ويعلنون إسلامهم ودخل كثيرون من قبائل العرب في الإسلام وقد صور الشاعر هذا المعنى بقوله:
دعا المصطفى دهرا بمكة لم يجب
وقد لان منه جانب وخطاب
فلما دعا والسيف صلت بكفه
له اسلموا واستسلموا وأنابوا
وبالجهاد قامت دولة الإسلام واتسعت حتى عم الإسلام جزيرة العرب وحتى استولى المسلمون بالجهاد على ممالك كسرى وقيصر، وأصبحوا سادة الدنيا وقادتها.
ولأهمية الجهاد في حماية المسلمين ومقدساتهم أكثر سبحانه وتعالى من ذكره في القرآن الكريم حيث ورد فيه من آيات الجهاد ما يزيد على مائتي آية ما بين آيات تدل على فرض الجهاد ووجوبه على المسلمين، وآيات ترغب فيه وتبين فضله وما أعده الله للمجاهدين من الثواب في الآخرة.
وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم حث على الجهاد ورغب فيه وحذر من القعود عنه وسأذكر طرفاً من الآيات في الجهاد والحث عليه:
1) قال تعالى: {كتب عليكم القتال وهو كره لكم}، أي فرض عليكم كفرض الصيام في قوله تعالى: {كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم}.
2) وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا مالكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا}.
3) إلى قوله سبحانه وتعالى: {انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون}.
4) وقال سبحانه وتعالى: {فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق}.
5) وقال سبحانه وتعالى: {يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير}.
والآيات الدالة على فرضية الجهاد على هذه الأمة ووجوبه كثيرة.
أما الآيات التي تدل على فضل الجهاد وتبين ثواب المجاهدين فكثيرة: 1) منها قوله تعالى: {إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص}، إذا فالقتال في سبيل الله مقتضي لحب الله وأي مطلب أسنى وأشرف من حب الله لعباده.
2) وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون...} إلى آخر الآيات.
3) وقال سبحانه وتعالى: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون...}، إلى قوله: {يستبشرون بنعمة من الله وفضل}.
4) وقال تعالى: {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيَقتلون ويُقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم}.
ومن الآيات التي تحذر من ترك الجهاد والقعود عنه: 1) قوله تعالى: {فإذا أنزلت سورة محكمة وذكر فيها القتال رأيت الذين في قلوبهم مرض ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت... الآية}.
2) وقال تعالى: {وإذا أنزلت سورة أن آمنوا بالله وجاهدوا مع رسوله استئذنك أولوا الطول منهم وقالوا ذرنا نكن مع القاعدين}.
أما الأحاديث في ذلك فمنها: 1) قوله صلى الله عليه وسلم: (جاهدوا المشركين بأنفسكم وأموالكم وألسنتكم)، وهذا أمر منه صلى الله عليه وسلم بالجهاد، والأمر يقتضي الوجوب ما لم يصرفه صارف إلى الندب أو الإباحة ولا صارف هنا يصرف أمره عليه الصلاة والسلام في الجهاد من الوجوب إلى غيره.
2) وقال صلى الله عليه وسلم: (إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا يرفعه عنكم حتى تراجعوا دينكم)، فقوله عليه الصلاة والسلام: (حتى تراجعوا دينكم)، يفهم منه أنهم بارتكابهم هذه الخصال وترك الجهاد قد خرجوا من دينهم.
3) وقال صلى الله عليه وسلم: (من مات ولم يغز أو يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق).
وحكم الجهاد في وقتنا الحاضر أنه
فرض عين على كل قادر عليه وقد أجمع علماء الأمة قديما وحديثا على أن الجهاد يكون فرض عين في ثلاث حالات:
الأولى: إذا حصر العدو بلدا من بلاد المسلمين أو احتلها.
والحالة الثانية: إذا حضر الصف في معركة بين المسلين والكفار.
والحالة الثالثة: إذا استنفره الإمام الشرعي.
ونحن إذا نظرنا إلى ما يجري في فلسطين وفي الشيشان وجدنا أن العدو قد احتل هذه البلدان وآذى أهلها بشتى أنواع الأذى من القتل والتدمير والسلب والنهب وانتهاك الأعراض.
إذا فيجب على الأمة الإسلامية حكاما ومحكومين كل فيما يخصه أن يهبوا لنصرة إخوانهم المضطهدين في هذه البلدان وغيرها، وليعلنوا الجهاد ويشنوها حربا شعواء على أعداء الله في فلسطين وفي الشيشان وغيرها.
وكما تقدم أن الجهاد في سبيل الله أنواع فتارة يكون بالمال وتارة يكون باللسان وتارة يكون بالقلم وأعلى هذه الدرجات وأفضلها الجهاد بالنفس لأنه أشق على المقاتلين، وأكثر تضحية ولأنه قد تترتب عليه الشهادة ومعلوم ما أعد الله للشهداء من الأجر والثواب، ولأنه أشد نكاية بالعدو مما سواه من أنواع الجهاد، ولأن ما سواه من أنواع الجهاد مكمل له والجهاد بالنفس هو الذي يرهب العدو ويحطم معنوياته وهو الذي يتحقق به النصر غالبا وتتم به حماية حوزة المسلمين والذب عن حرماتهم وقديما قيل:
السيف أصدق إنباء من الكتب
في حده الحد بين الجد واللعب
أما الجهاد بالمال فله أهمية كبيرة إذ لا يستغني عنه المقاتلون لتأمين السلاح والذخيرة وتأمين نفقة الجند ومعالجة الجرحى وكل ما تحتاجه المعركة فهو مكمل للجهاد بالنفس.