بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد؛
فقد جاء الأمر في كتاب الله تعالى وفي سنة نبيه صلى الله عليه وسلم بنصرة المسلم لأخيه المسلم، وجاء النهي والوعيد لمن خالف ذلك وخذل إخوانه، وقد حاولت أن أجمع قدراً كبيراً من النصوص التي تبين ذلك.
وجوب نصرة المسلم:
فمن النصوص التي توجب على المسلم نصرة إخوانه والوقوف معهم في مصائبهم قول نبينا صلى الله عليه وسلم :«انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا نَنْصُرُهُ مَظْلُومًا، فَكَيْفَ نَنْصُرُهُ ظَالِمًا؟ قَالَ :«تَأْخُذُ فَوْقَ يَدَيْهِ» [أخرجه البخاري].
وفي الصحيحين عن أبي موسى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :«على كلِّ مسلم صدقة». قيل : أرأيت إن لم يجد ؟ قال: «يَعْتَمِلُ بيديه فينفع نفسه ويتصدق » . قال : أرأيت إن لم يستطع ؟ قال :«يعين ذا الحاجة الملهوف» .
الترغيب في نصرة المسلم:
ورغبت النصوص في ذلك..
فنصرة المؤمنين أمارة دالة على صدق الإيمان:
قال تعالى :{ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } [التوبة: 71].
وتأمل هذا المثل الذي ضربه نبينا صلى الله عليه وسلم؛ عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما ، قَالَ : قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم : «مَثَلُ المُؤْمِنينَ في تَوَادِّهِمْ وتَرَاحُمهمْ وَتَعَاطُفِهمْ ، مَثَلُ الجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الجَسَدِ بِالسَّهَرِ والحُمَّى» [متفق عليه].
وفي الصحيحين قال صلى الله عليه وسلم :«المُؤْمِنُ للْمُؤْمِنِ كَالبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضَاً» وشبَّكَ بَيْنَ أصَابِعِهِ.
وعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ، ويَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ، وَيُجِيرُ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ، وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ» [أحمد وأبو داود]. وقوله : «وهم يد»؛ هم : ضمير منفصل يدل على الجمع، ويد : لفظ مفرد، فهذه جملة تدل على التماسك العظيم الذي ينبغي أن يكون عليه المسلمون .
الاهتمام بحال المسلمين ومواساتهم اقتداء بهدي النبي صلى الله عليه وسلم :
لقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم يحزن إذا رأى بلاء ونكبة على مسلم، ويدعو الناس للإنفاق في سبيل الله ؛ حتى يذهب الله ما بهم من حاجة وبلاء ومحنة، لقد علمنا نبينا صلى الله عليه وسلم كيف نتعامل مع المنكوبين، ففي صحيح مسلم، عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال : كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي صَدْرِ النَّهَارِ ، قَالَ : فَجَاءَهُ قَوْمٌ حُفَاةٌ ، عُرَاةٌ ، مُجْتَابِي النِّمَارِ ، مُتَقَلِّدِي السُّيُوفِ ، عَامَّتُهُمْ مِنْ مُضَرَ ، بَلْ كُلُّهُمْ مِنْ مُضَرَ . فَتَمَعَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِمَا رَأَى بِهِمْ مِنْ الْفَاقَةِ فَدَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ وَأَقَامَ فَصَلَّى ثُمَّ خَطَبَ فَقَالَ:«{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبً}، وَالْآيَةَ الَّتِي فِي الْحَشْرِ: {اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ}، تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِنْ دِينَارِهِ ، مِنْ دِرْهَمِهِ ، مِنْ ثَوْبِهِ ، مِنْ صَاعِ بُرِّهِ ، مِنْ صَاعِ تَمْرِهِ ، وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ » . قَالَ : فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ بِصُرَّةٍ كَادَتْ كَفُّهُ تَعْجِزُ عَنْهَا ، بَلْ قَدْ عَجَزَتْ ، ثُمَّ تَتَابَعَ النَّاسُ حَتَّى رَأَيْتُ كَوْمَيْنِ مِنْ طَعَامٍ وَثِيَابٍ ، حَتَّى رَأَيْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَهَلَّلُ كَأَنَّهُ مُذْهَبَةٌ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :«مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ ، وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ».
ونصرة المسلمين سبب لتفريج الكربات:
فالجزاء من جنس العمل.
ففي الصحيح قول نبينا صلى الله عليه وسلم :«وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ» .
ومن منّا لا يحب أن يفرج الله عنه كرب يومٍ جاء نعته في قوله :{ فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبً} ، وقال عنه :{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} .
وسبب لمعونة الله تعالى :
قال صلى الله عليه وسلم :« وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ» [مسلم]، فكن في عون أخوانك في مصائبهم يكن الله لك في أمورك كلها. وعند الطبراني :«لا يزال الله في حاجة العبد ما دام في حاجة أخيه».
إنّ السعي لقضاء حوائج المسلمين والوقوف معهم أفضل من الاعتكاف في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم
قال نبينا صلى الله عليه وسلم : «ولئن أمشي مع أخ في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد يعني مسجد المدينة شهراً، ومن كظم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه يوم القيامة رضى، ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى يقضيها له ثبت الله قدميه يوم تزل الأقدام»[ابن أبي الدنيا].